الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات ***
تمكن الحسد من قلوب أخوة يوسف، أرى الظلوم مال الظالم في مرآة "إني رأيت أحد عشر كوكباً" فتلطفوا بخداع "ما لك لا تأمنّا" وشوقوا يوسف إلى رياض "نرتع ونلعب" فلما أصحروا أظهروا المقت له، ورموا بسهم العدوان مقتله، ففسخ نهار رفقهم به ليلَ انتهارهم له، فصاح يهودا، في بقايا شفق الشفقة وأغباش غيابة الجب "لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابةِ الجُب" فلما ألقوه، وقالوا هلك، جاء ملك من عند ملك، يقول: ستبلغ أملك "لتنبئنَّهُم" فعادوا عمن عادوا كالأعشى "عِشاءً يبكون" ولطخوا قميصه الصحيح "بدمٍ كَذِب" فلاحت علامة سلامة القميص كي يظهر كيدهم، فقال حاكم الفراسة "بل سوَّلتْ". فلما ورد وارد السيارة، باعوا الصدفة ولم يتلمحوا الدرة، واعجبا لقمر قومر به، فلما وصل إلى مصر تفرس فيه العزيز، فأجلسه على أعزاز "أكرمي" فشغف قلب سيدته وفرى "فراودته" فسار بأقدام الطبع في فلاة غفلات "همَّت به وهمَّ بها" رد "لولا أن رأى" فأنقذ قوى الفرار وما استبقى "فاستبقا" فانبسطت يد العدوان وامتدت "وقدَّت" فلما بانت حجته في إبان "وشهد شاهد" أخذت تزكي مصراة الإصرار، بيمين يمين "ولئن لم يفعل" فاختارت درة فهمه، صدفة الحبس لجهل الناقد "ربِّ السجن أحبُّ إليَّ" فلما ضاق قفص الحصر، على بلبل الطبع ترنم بصوت "اذكرني" فعوقب بإيثاق باب "فلبث في السجن" فلما آن أوان الفرج، خرج إلى الملك. هذا ويعقوب مفترض فراش الأسى على حزن الحزن، لا يستلذ نوماً ولا سِنة، ثمانين سنة، حتى نحل البدن، وذهب البصر: لم يبق بعدكم رسم ولا طلـلُ*** إلا وللشوق في حافاته عملُ إذا شممت نسيماً من بلادكـم*** فقدت عقلي كأني شاربٌ ثملُ فلما عمَّ عامُ القحط أرض كنعان، خرج أخوته لطلب الميرة، فدخلوا عليه في ظلام ظلمهم، فرآهم المظلوم بعين "لتنبئنَّهم" وخفي عليهم نعمة "اقتلوا يوسف" فأقبل عليهم سائلاً، وأقبل الدمع سايلاً وتقلقل تقلقُلَ الواجد، ليسمع أخبار الوالد: إيه أحاديث نعمان وسـاكـنـه*** إن الحديث عن الأحباب أسمارُ أفتش الريح عنكم كلما نفحـت*** من نحو أرضكم نكباء معطارُ فقالوا: جئنا من أرض كنعان، ولنا شيخ يقال له يعقوب، وهو يقرأ عليه السلام، فلما سمع رسالة أبيه، انتفض طائر الوجد لذكر الحبيب: وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى*** فهيج أحزان الفؤاد ومـا يدري فرد السلام قلبه قبل لسانه، وشغله وكف شانه عن شانه، وقال مقول إبدائه بعبارة صعدائه: خذي نفسي يا ريح من جانب الحمى*** فلاقى به ليلاً نسيم ربـى نـجـدِ فإن بذاك الجو حـبـاً عـهـدتـه*** وبالرغم مني أن يطول به عهـدي ثم إنه طلب آخاه، فاحتالوا بحجة "مُنع منّا الكيل" فلما حملوا حال بينهم وبينه، بحيلة "جعل السقاية" فلما دخل وقت التهمة "أذَّن مؤذِّن" فعادوا إلى أبيهم بشجى على شجن، وقرحٍ على جرح، وعقر على عقر في عقر، فقام وقد تقوس، وعسى على باب "عسى" ثم بعثه لطف "لا تقنطوا" على أن بعثهم برسالة "فتحسَّسوا" فلما رجعوا دخلوا من قفر الفقر، فاستقلوا في ساحة الضر، ينادون على غليل عليل الذل "وتصدق علينا" تالله لقد جوزيت أيد، مدها تغشرم "وشَرَوْهُ" أن مدت في طريق ذل "وتصدّق علينا" فلما عرفوه اعترفوا، فمحى ما اقترفوا بكف "لا تثريب" فرفع من موائد تلك الفوائد نصيب الوالد "اذهبوا بقميصي" فهبت نسايم الفرح، فتوغلت في خياشيم مريض كالفرخ، من فُرَج الفرج، فخر ركام الزكام، عن منخر الضر، فنادى مدنف الوجد "إني لأجد": نشدتك اللـه يا نـسـيم *** ما فعلت بعدنا الرسومُ هل استهلت بها الغوادي *** ونمقت روضها الغيومُ وهل بها من عهدت فيها *** بعد على حاله مـقـيمُ علل بروح الوصال صبا *** أنفاسه للجري سمـومُ وعد فسلم علـى أنـاس *** ما أنا من بعدهم سلـيمُ واشرح لهم حال مستهام *** أنت بأشواقـه عـلـيمُ وقل غريب ثوى بأرض *** في غيرها قلبه يهـيمُ يكابدُ الشوق حين يمسي *** وتعتري قلبه الهمـومُ أحبابنا تنقضي الليالـي *** وما انقضت تلكم الكلومُ ذاك اللديغ الذي عهدتم *** بعد على حاله سقـيمُ أصبح من فقركم وحيداً *** فلا خليل ولا حمـيمُ لم تجر ذكر الفراق إلا *** حن كما حنت الرزومُ فلما كشف يعقوب فدام الوجد، بكف "إني لأجد" أحدقت به عواذل "تالله تفتؤ"، تالله لو وجدوا ما وجد ما أنكروا ما عرف. للمهيار: هل لكما من عـلـمِ*** بالطارق الـمـلـمِ سرى على الدياجـي*** سُرى أخيه النجـمِ يشقُّ نجداً عـرضـاً*** من شخصه بسهـمِ فنوّر الليلَ وليسـت*** من ليالـي الـتَّـمِّ خذ يا نسيم عـنـي*** تحيتي ولـثـمـي وهنهم بـوجـدهـم*** من الكرى وعُدْمي قالوا هجرتَ أرضَهم*** أهجرُها برغمـي قد وصلت إلى الحشا*** رسلكُمُ بالـسـقـمِ فلـم تـدع واسـطةً*** بين دمي ولحمـي عج كي ترى رسوماً*** ثلاثة فـي رســمِ سوَّى النحول بينـنـا*** تعرفنا بـالـوهـمِ خط هـلال لــيلة*** ودارهم وجسمـي جُمع لأيوب بين كثرة المال وحسن الأعمال، فملا مدحُه بالوفاق الآفاق، فأثارت تلك الآثار حسداً من إبليس قد تقادم منذ آدم، فقال: يا رب أن سلطني عليه، ألقيته في الفتنة، فألفيته في الفئة المفتونين، فقيل: قد سلطناك على ماله من مال، فمال إلى جميع عفاريته، ففرقهم في تمزيق ماله، وتولى هو رَمْيَ بيته على بنيه، ثم أتى في صورة معلمهم يعلمه، فرأى ذلك لا يؤلمه، أنصت العدو ليسمع عربدة السكر، فإذا أيوب يتلو آيات الشكر، فصاح بلسان حسده، سلطني على جسده، فسلطه وقد سبقه الصبر، فتقطع الجسم وداد: وما تقطع رسم الوداد، فأخرجه أهل قريته، لقرح قرحه إلى قرواح كناسة، فرموه كسيراً كالكسرة وكساء كساده عندهم أعلى عندنا من أغلى كسوة كسرى، فلم يزل ما نزل به حتى بدا حجابُ بطنه، وكان يبصر عظامه ومعاه معاً. للمهيار: ما اختص مني السقام جارحة*** كل جهاتي أغراض منتبـل إذا لحاظي لجسمي امتعضت*** من الضنا قال قلبي احتمـل فدام هذا البلاء عليه سنين، وفِدام الصمت عن الشكوى على فيه تبين، ولم يبق غير اللسان للذكر، والقلب للفكر، فلو أصغى إلى نطق حاله سمع فهم، أو سأله عن وجده رب قلب لسمع من الذماء الذما يناجي به الحق. للشريف الرضي: محا بعدكم تلك العيون بكاؤهـا*** وغالَ بكم تلك الأضالع غولُها فمن ناظرٍ لم تبقَ إلا دموعـهُ*** ومن مهجةٍ لم يبق إلا غليلهـا دعوا لي قلباً بالغـرام أذيبـه*** عليكم وعينا في الطلول أجيلها فلما كع إبليس، لقي زوجته في صورة متطبب، فقال: عندي دواؤه، بشرط أن يقول بشفتيه شفيتني. فجاءت تدب، وقد أنساها طول البلاء تدبر المعنى، فأخبرت من قد خبر عدو العدو، فغضب المؤدب على تلميذ ما يقوم بطول الصحبة، فحلف لئن شفي، ليجلدنها مئة، فبينا المرء يكابد المر، مر به صديقان له، فقالا: لو علم الله من هذا خيراً، ما بلغ به هذا الأمر، فما شد على سمعه أشد من ذلك، فخر على عتبة "ولا تُشْمِت" واستغاث بلفظ "مَسَّنيَ" وصاح بإدلال "لو أقسم" فجاء بجبريل برسالة "اركض" وليس العجب لو ركض جبريل إنما العجب أن يركض العليل، فركضت خيل النعم عند ركضته فردت، وما غار الماء ما أغير عليه من نعمته، فنسي بنسيم العافية، ما ألمَّ من ألم، وردت يد المنة، كل ما مر منه وذهب، وكان نثار الرضا على واديه، بعد أن جرى وادي جرادى من ذهب، وأقبلت زوجته، وعليه يمين ضربها، وما كان يحسن في مقابلة صبرها، فأقبل لسان الوحي يتلو فتوى الرحمة، ويراعي ما سبق من مراعاة رحمة "وخذ بيدك ضِغثاً" تالله ما ضره ما أكل من جسده الدود، لما اختال في ثوب مودود، وأصبح مصطحباً شراب السرور، من جود الجود، فرنت قيان الفرح، إذ غنت السنة المدح لا يعود، وفاح عبير الثناء فزاد نشره على كل عود "إنَّا وجدناه صابراً نعم العبد". لما رأى شعيب شعب شعاب قومه قد امتلأت بالجور، صعد منبر التذكير بالإنعام، ولكن بين الأنعام، فخوّفهم من قحم قحل القحط في إشارة "إني أراكم بخير" فتلقوه باستهزاء "أصلواتك" ومدوا نحوه باع النخوة "لنخرجنك" وتعللوا بحجة "ما نفقه" وانتهوا إلى عتو "فأسقِط علينا" فلما اسمهر ظلام ظلمهم، اسحنكك ليل إدبارهم، واسلنطح نهار هلاكهم، فحقحق إليهم ما حق عليهم من محقهم، فأضل على ظلل ضلالهم "عذاب الظلّة" فارتجت أرجاء بيوتهم، برج الرجفة، وشدت عليهم شدة الحر، فهربوا إلى البر، فإذا سحابة تسحب ذيل برد البرد، فتنادوا هلموا إلى راحة الروح، فلما تم اجتماعهم في قصر الحصر، وظنوا أنها من حر وقتهم وَقَتْهم، نزلت بهم نار فأحرقتهم، فساروا إلى جهنم في أسر أدبارهم، وسار بعد بعدهم في إدبارهم، نذير التحذير من تبديرهم، وعابهم في عقاب عقابهم "ألا بُعداً لمدين" فليحذر العصاة مثل أفعى أفعالهم، وليتق أعمى البصيرة شبه أعمالهم، وليخف المطففون من أخذ التطفيف في مكيالهم، وليسمعوا نذير العبرة، فقد أوحى إليهم بشرح أعمالهم. كانت الكهنة أخبرت فرعون بوجود موسى، فأطلق الموسى في ذبح الأطفال، فلما اتهمت أم موسى بالوضع، أوضع الحرس إلى بيتها بالطلب، فأدركها عند العلم الدهش، فألقته في التنور إلقاء الحطب، فلما عادت فرأته قد سلم شاهدت في ضمن ما صنعت أثر "واصطنعتك" فكانت سلامته من النار نقداً لأجل احتمل لأجله وعداً لنجاة يوم أليم، لما سعت بتابوته إلى البحر، ارتعشت يد التسليم فأمسكها، فصاح شجاع الشجاعة بملء فيه: أن اقذفيه فيه، فصدرت بعد إلقائه بصدر قد لوى به لواعج الاشتياق، لا يعلم قدر ما به، إلا من قد رمي به، فتلقاها بالبشر بشير "إنّا رادُّوه" فلم تزل أمواج اليم، تيمم به مسالك القدر، إلى أن خبت به خيل النيل، فشرعت في تناوله مشرعة دار فرعون، فألقته في برية "فالتقطه" فلما فتحوا التابوت أسفر عن مسافر على نجيب النجابة، قد جعل زاده في مزود "ولتُصنع" ووشح قلادة الحب قد رصعت بدر "وألقيتُ" فقام فرعون على أقدام الإقدام على قتله، فخرجت آسية من كمين أتباعه، تنطق عن لسان "سبقت لهم" وتنادي في مخدع خديعة الحرب "قرة عين لي ولك" وتجمع في كلامها ما هو فرد في لغة الغدر "عسى أن ينفعنا" فلم يزل فرعون في أغباش غرور يذبح، حتى طلع غرر صبح "ونريد أن نمنّ" فلما قص شوق أمه جناح صبرها، قالت لأخته "قصيه فبَصُرَت به" في حريم "وحرّمنا" فدنت فدندنت حول حلة الحيلة، بحول "هل أدلكم" فلما حفظت باب المكر، بحارس "يكفلونه لكم" دخل طفيلي الوجد من باب "وهم له ناصحون" فجاءت بأمها يؤمها دليل الطرب، فكادت إذ حضرت تحضر في ميدان "لتبدي به" فكبحها لجام "لولا أن ربطنا" فخافت لسان جهرها لما خافت، فسل من أيديهم إلى سلم تسليمها، فقر في حجر "كي تقر عينها" وترنمت بلابل الوصال فأخرست بلابل الفراق. فربي موسى في ربى فرعون، ونمى بين نمارقه، إلى أن آن أوان مشاجرته، فجرى القدر بقتل القبطي، ليكون سبباً في سر سير "ولما توجّه" فسعى على أرجاء رجاء "عسى ربي" فتزود مزود "ولما ورد" فتجمع شمل الصهر بواسطة "إنَّ أبي" فبقي ضمان الوفاء إلى أمانة "فلما قضى موسى الأجل" فتلمح معنى "قال لأهله امكثوا" فيبدو في بادية الحيرة أنيس "إني آنست" فترامى كف الطمع إلى مرامي "لعلِّي آتيكم" فأطل على طلل الطلب أقدام "فلما أتاها" فتلقط ثمار التكلم من غير كلفة "وهزي" تساقط من جني جنات التجلي "إني أنا الله". عليه السلام لما خرج موسى بأهله من مدينة مدين، انطلق طلق الطلق بزوجته فما زال يكادح المقادح فلم تور، لأن عروس نار الطور لما همت بالتجلي، نوديت النيران بلسان الغيرة من المشاركة "غضى" فقام على أقدام التحيرة، فهتف به أنيس "آنس" فأنس: يا حار إن الركب قد حاروا*** فاذهب تجسس لمن النـارُ تبدو وتخبو إن خبت وقفوا*** وإن أضاءت لهم سـاروا فشمر موسى عن ساق القصد وساق، فلما أتى النادي "نودي" فحين ذاق لذة التكليم، جرح قلبه نصل الشوق، فلم يداوه إلا طبيب "وواعدنا". ليالينا بـذي الأثـلاث عـودي*** ليورق في ربى الأثلاث عودي فإن نسيم ذاك الـشـيح أذكـى*** لديَّ من انتشاقي نشـر عـودِ وإن حديثكم في القلب أحـلـى*** وأغيب نغمة من صوت عـودِ فبعث في حرب فرعون، فلم يزل مشغولاً بالجهاد، إلى أن قبر القتيل في لحد اليم، فطلب قومه كتاباً يضبط شاردهم ويرد نادهم، فأمره الله أن يصوم ثلاثين ليلة، نهاره وليله فأمسك على مسك الإمساك بكف الكف في الوصال، فدام فِدامُ فيه عن مطمع المطعم، فقيد فقيد قوت الوقت، فصار في قيء ذكر الوعد، فما انقضت الليالي حتى انقضت ظهر البصر، فقام لتراى جلال الوفاء بالأمر، فلاح في مطلع فلاح القصد، فبادر يسعى على أقدام الحب، إلى زيادة ربع الحب، فكاد يقله قلقلة الوجد، فوجد الهواء متغير الريح، في عرضة الفم، فصاح به فصيح لسان الحزم من وراء رأي العزم: يا موسى غير أثراً لازم، فتناول مضغة من النبات فمضغها، فقيل له: أيها الصائم عن أمرنا، لم أفطرت برأيك؟ فقال: وجدت لفمي خَلوفاً، وما أردت بفعلي خلافاً، فقيل: ما علمت أن فور فورة الخلوف من قدر الإمساك، أطيب عندنا من فارة فارة المسك، إنا لننظر إلى قصد الفاعل لا إلى صورة الفعل، الدم نجس مجتنب، لكنه في حق الشهيد شهي "زملوهم بكلومهم ودمائهم" فرجع موسى عاكفاً على معتكف كف كفه "فتم ميقات ربه" وأحضر حظيرة القدس، فنسي الأنس، مما آنس من الأنس: فكل شيء رآه ظنه قـدحـاً *** وكل شخص رآه ظنه الساقي فلما دارت في دائرة دار الحب كؤوس للقرب، وسمع النداء وسط النادي بلا واسطة، وسيط له من وسيط أقداح المنى في المناجاة بلا وسيط، طاب له شراب الوصال من أوطاب الخطاب، في أواني سماع الكلام، فناداه توق شوقه: أوان أنـت فـي هـذا الأوان *** عن الراح المروق في الأواني رأى على الغور وميضاً فاشتاق، ما أجلب البرق لدمع الأماق فصاح لسان الوجد "أرني" فرد شارد شحذان الشوق على الطوى بطوق "لن تراني" إلا أن جزع الفطام سكن شعله بتعلة "ولكن" فلما تجلى جل جلاله للجبل مر، فخر موسى في بحر الصعق فرقاً، فرقي فرقه ذروة "سبحانك تبت إليك" ما انبسط موسى يقول أرني إلا ببسط، سلني ولو ملح عجينك، ولو تركه مع رعيه الغنم في شعب شعيب لما جال في ظنه ذلك الطمع، ولكنه استدعاه بالنداء، وآنسه بالتقريب، وباسطه بالتكليم. فلما عاين الحـيرة *** حادى جملي حارا كان موسى يطوف في بني إسرائيل، ويقول من يحمّلني رسالة إلى ربي؟ ما كان مراده إلا أن يطول الحديث مع الحبيب: فقلت له رد الحديث الذي انقضى*** وذكراك من ذاك الحـديث أريدُ يحدد تذكار الحـديث مـودتـي*** فذكرك عندي والحـديث جـديدُ أنـاشـده ألا أعـاد حـديثــه*** كأني بطيء الفهم حـين يعـيدُ مات موسى قتيل شوق "أرني" فلما جاز عليه نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، ردده في الصلوات، ليسعد برؤية من قد رأى: وإني لآتي أرضكم لا لحـاجة*** لعلي أراكم أو أرى من يراكم إن تشق عيني فطالما سعـدت*** عين رسولي وفاز بالنـظـر وكلما جاءني الرسـول لـهـم*** رددت شوقاً في طرفه نظري تظهر في طرفه محاسنـهـم*** قد أثرت فيه أحـسـن الأثـرِ خذ مقلتي يا رسـول عـارية*** فانظر بها واحتكم على بصري لما علا شرف الكليم بالتكليم كل شرف، قال له قومه أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. ولم يقل فيما أعلم، فابتلي فيما أخبر به واعلم، فقام بين يدي الخضر، كما يقوم بين يدي السليم الأعلم، فابتدأ بسؤال "هل أتبعك" فتلقاه برد "لن" وكم أنّ موسى من لن. أمر قومه بالإيمان فقالوا "لن نؤمن" وقعوا في التيه فقالوا "لن نصبر" ندبوا إلى الجهاد فصاحوا "لن ندخلها" طرق باب أرني فرده حاجب "لن"، دنا إلى الخضر للتعلم فلفظه بلفظ "لن" ثم زاده من زاد الرد بكف "وكيف تصبر" فلما سامحه على نوبة السفينة، وواجهه بالعتاب في كرة الغلام، أراق ماء الصحبة في جدال الجدار "هذا فراق بيني وبينك" ثم فسر له سر المشكل، فجعل يشرح القصص فصلاً فصلاً، بمقول قائل يقول فصلاً، وكلما ذكره أصلاً أصلى، لم يبق لموسى عين تراه أصلاً، وكلما سل من حر للعتاب نصلاً، صاح لسان حال موسى: كم نصلى؟ فألقى تفسير الأمور على الكليم وأملى، والقدر يقول: أهو أعلم أم لا؟ فعلم موسى ويوشع أي عبد أمّا منذ ابتدأ بالشرح بأمّا، ثم أخذ لسان العتاب، يذكر منسى موسى، أتنكر خرق سفينة؟ لظاهر إفساد تضمن ضمنه صلاح "ولكم في القصاص حياة" أو تنكر؟ إتلاف شخص دنى لإبقاء دين شخصين؟ أو كرهت إقامة الجدار، لشح أهل القرية بالقرا أفاردت من الأصفياء؟ معاملة البخلاء بالبخل، أما تلمحت سر؟ صل من قطعك، لقد أنكرت ما جرى لك مثله، حذرت يوم السفينة من الغرق، فصحت بإنكار "أخرقتها" أنسيت يوم؟ "فألقيه في اليم" أنكرت قتل نفس بغير نفس، أنسيت يوم؟ "لو كره" نهيت عن عمل بلا أجر، أنسيت يوم "فسقى لهما" فلما بان البيان، خرج الخضر من باب الدعوى، وأخرج يده من ملك التصرف وأحال الحال على الغير "وما فعلته عن أمري". وهذه القصة قد حرضت على جمع رحل الرحيل في طلب العلم، وعلمت كيفية الدب في كف كف الاعتراض على العالم، وصاح فصيح نصيحها بذي اللب: دع دعواك فعلى دعوى الكليم ليم، وفوق كل ذي علم عليم. أيها المتعبد: خف من الفتن ولا تأمن، كم قد أخذ أمنٌ من مأمن، إنه لم ينج من غطامط بحر الفتن الأعظم حافظ الاسم الأعظم، بل عام بلعام، رفل في حلل النعم كالنعم، غافلاً يتعامى عن النعم، وكانت بنية نية تعب تعبده على رمل الريا، فجرت تحتها أنهار التجربة، فانهار بنيانها فتخرب، كان على دينار دينه ورقة رقة، فأعجب نضره نواظر الناظرين، فلما حكه المنتقد على حجر الحجر افتضح بين أهل الحجى، وكان ظاهره لثقا بالتقى، وباطنه باطية لخمر الهوى، فلقد خبأ الخبايث في طي الطويات، فلما أراد المقدر تنبيه جاره على جوره، تقدم إلى القدر بهتك ستره، فآتاه وهو في عقر عقار الهوى، يعاقر عقار الريا وقد رفعت عقيرتها عاقر الفهم إلى أن عقر بعقر قلبه فعاد عقيراً، فدعه القدر إلى صف صفصف الدعوى، وأرسل عليه لإصراره صرصر العجب، فمزقت جلبات التعبد، فصيره عصفها عصفاً فانكشف عوار عورته فعوى، فإذا به كلب غفور، وقصة إقصائه أن القدر ساق الكليم إلى محاربة فساق بلدته، فقالوا له: اشحذ موسى الدعاء على موسى، فمج فوه مجمجة التمنع، فخوفوه بنحت خشبة، فخشته خشية الخلق، فخرج حتى أتى على أتان فلما قفا وقفت ليقف سير عزمه، فضرى بضربها حتى أضرَّ بها، فقامت في المحجة تتكلم بالحجة عليه، لم تضربني؟ وهذه نار تمنع الماشية المشي، فرجع إلى ملكهم فأخبره خبره، وما نقل العتب المقصود ولا خبره، فألجأ الملك إلى صلب عزمه إلى أمر صلب، إما الدعاء عليهم وإما الصلب، فخرج فأتبعه الشيطان، فما كان إلا أن بلغ المكان "فكان من الغاوين" تالله ما عدا عليه العدو، إلا بعد أن تولى عنه الولي، فلا تظنن أن الشيطان غلب، وإنما العاصم أعرض، وإن شككت فاسمع هاتف القدر، مخبراً عن عزة القادر "ولو شئنا لرفعناه بها". كان قارون غاية في فقهه وفهمه، وكان في النسب إلى موسى ابن عمه، فلما فاضت الدنيا عليه، فاضت نفس علمه، وكانت مقاليد خزاين خزاياه وقر ستين بغلاً، غير أن الذي فاته بما ناله أعلى وأغلى، سحب ذيل "فبغى" فقام قومه قومة بزجر "لا تفرح" وألقوا إليه نصائح "وابتغ، ولا تنس، وأحسن، ولا تبغ". فركب يوماً في وقت اقتداره في أربعة آلاف مقاتل، وسم الهوى يعمل في المقاتل، وركب معه في معمعته ثلاثمائة جارية، وقد أنساه سفه الأمل أن سفينة الأجل جارية، فلما غلا وعلا، حط إلى حضيض "فخسفنا به" فقال الجاهلون: إنما بادر موسى بادرته، لأخذ بدرة بيداره فقال حاكم الغيب لإزالة الريب "وبداره" فقال موسى: يا أرض خذيه. فاستخذت لأمره. فسرت بسريره، فناشده قارون بالرحم فما رحم، فأخذته لتقدمه حتى غيبت قدمه، فما زال يردد القول حتى غاب الغبي الغني، وإنه ليخسف به كل يوم قدر قامة، فلا تظنن أن ذم الجزاء قد رقي منه، إن الدنيا إذا طلعت على الطغام تطغى، وإذا بغى نكاحها على العفاف تبغى، ثم إنها تقصد هلك محبها وتبغى، وكم عذلت في فتكها بالفتى الفتي وتلغي، أما دردرها فغرت؟ فلما فرغت فغرت فاها فرغت للظعن، أما سحبت قرون قارون؟ مع أقرانه. إلى القران في قرن، أما كفكفت كف مكفوف محبها فارتك فن ما يكون فيك في كفن، تالله لقد لقي الغبي الغني غب غبواته، فلما انجلى غيهب غيمه، رأى الغين والغبن نعوذ بالله من الخذلان. لما حلي داود حلية النبوة، ولُقن فصل فصل الخطاب، أطرب شدو شكره سمع القبول، فمتعه إقطاع "يا جبال أوِّبي معه والطير" فأعجبته سلامة العصمة، فتجهز للإجهاز على جرحي الزلل، فرماهم بسهم، لا نغفر للخطائين، والقدر قد أترع له مما سيعض له الأنامل ملء الإناء، فابتلى بالذنب حتى نكس رأس الرياسة على عتبة الذل، ودب إلى داود المعاصي دبيب الدبا من حيث ما دبر، رماه سهم ليالي القضاء في درع ليالي الفتن. فقضى عليه فما قدر على رده "وقدِّر في السرد": وإذا رامي المقـادير رمـى *** فدروع المرء أعوان النصال ظن لقوة لقوة عصمته لقاء قرن الهوى، فلاحت له في حم دعواه حمامة من ذهب، فذهب يصيدها، فوقع في عين شرك عينه. للمهيار: ظنَّ غداة الخيف أن قد سلبهـا*** لما رمى سهماً وما أجرى دما فعاد يستقـري حـشـاه فـإذا*** فؤاده من بينها قـد عُـدمـا لم يدر من أين أصيب قلـبـه*** وإنما الرامي درى كيف رمى طاف على بابه طبيب الألطاف، فأراد استخراج النصل من باطن الشغاف، فجئنا على عتبة عتابه، بأعتوبة "خصمان" فقضى على نفسه في صريح "لقد ظلمك" فبينا هو يلاحظ لفظ القضية، المعا معا معاني المعاصي ففطن، ففت بالفتى الفاتن فتن فتياه "وظن داود أنما فتناه" فنزل عن مركب العز إلى مس مسجد الذل، وافترش فراش من قد أسا في دار الأسا، وخلع خلع الفرح لجلباب الحزن، وزرّ زرزر مانقة الخوف على شعار القلق، فأسكت الحمايم بنوحه، وشغلها عن صدحها بصوته، فبالغ حريق الندم في سويدا قلبه، وأقلق الأفئدة بشجى شجنه، ومات خلق كثير من الخلق بترنم شجوه وصوته، وشرب عرق العشب من عين عينه، وحشى سبعة فرش رماداً، ثم رمى داء الحشا، بعد أن فرشها فرشها، وكان يقول في مناجاته: إلهي خرجت أسأل أطباء عبادك. أن يداووا لي جرح خطيئتي فكلهم عليك يدلني، إلهي أمدد عيني بالدموع، وضعفي بالقوة، حتى أبلغ رضاك عني.
يا من تجنب صبري من تجـنـبـه*** هب لي من الدمع ما أبكي عليك به حتى متى زفراتي في تصاعـدهـا*** إلى الممات ودمعي في تصـوبـه ولي فـؤاد إذا لـج الـغـرام بـه*** هام اشتياقاً إلى مقـيا مـعـذبـه ما زال يغسل العين من عين العين، ولسان العتاب يقول: يا بعد اللقا، وكلما رفع قصة غصة جاء الجواب بزيادة الجوى، وهو يستغيث وينادي، حتى أقلق الحاضر والبادي: إن شفيعي إليك مـنـي*** دموع عيني وحسن ظني فبالذي قـادنـي ذلـيلاً*** إليك إلا عفوت عـنـي
|